• ٢٨ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٩ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

حقّ تنمية المنافذ الحدودية

جميل عودة

حقّ تنمية المنافذ الحدودية

 إنّ سيادة الدولة وسطوتها، ترتبط ارتباطاً وثيقاً، بمدى تحكمها بمنافذها الحدودية، فالسيادة والريادة تكون كاملة؛ عندما تكون الحكومة قادرة على إدارة حدودها وضبطها. والسيادة والريادة تكون ناقصة؛ عندما تكون الحكومة غير قادرة على إدارة حدودها وضبطها.

 إنّ الحدود بين الدول مصدر الخير، وهي مصدر الشرّ، ويمكن أن تكون مصدراً للخير والشرّ معاً. فكما يمكن أن تكون المنافذ الحدودية معبراً هاماً للأشخاص، والسلع والبضائع اللازمة، لسدّ احتياجات الشعوب، فإنّها يمكن أن تكون معبراً للمخاطر والأزمات، مثل: التسلل أو تهريب الأشخاص، وتهريب الأسلحة والمتفجرات، وتهريب المخدرات، ومحاولة الدخول بوثائق مزورة، وتهريب أموال مزيفة، وتهريب مركبات مسروقة أو مطلوبة لأسباب أمنية، وتهريب بضائع مختلفة (التهريب الجمركي).

 وإنّ المنافذ الحدودية، بين أي دولتين - في الوقت الحاضر - أخذت تشكّل إمّا مصدر جذب، أو إعاقة للاستثمار، والاقتصاد، والانفتاح نحو العالم. وعليه؛ لا خيار متاح للدول إلّا خيار الإشراف والرقابة، والإدارة والتنظيم، لأنّ ترك المنافذ الحدودية دون سيطرة ورقابة؛ يعني أنّ أبواب البلاد ستكون مشرعة، لكلّ أنواع الفوضى، والفساد، والظلم، ونقصان الثروة، والتي من آثارها، ضعف الاستقرار، السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي.

 لذا... فإنّ العجب كلّ العجب، من دول وحكومات، لا تفرض هيبتها على منافذها، ولا تضبط حدودها، ولا تحصن مجتمعها، ولا تلتفت إلى حجم ثروتها المهدورة. وإنّ العجب كلّ العجب، من دول يمكن أن تشكّل وارداتها الحدودية جزء، لا يستهان به من موازنتها السنوية، أو يمكن أن تساهم - إلى حد كبير - في تحقيق نموها الاقتصادي. رغم ذلك كلّه تترك منافذها الحدودية لمجموعات متنفذة، تقضم الخضر واليابس، على حدٍّ سواء، ولا تكترث لاقتصاد البلاد، ولا لقوت العباد.

 فما هي المنافذ الحدودية؟ وما هي أنواعها؟ وما هي أهميتها الإستراتيجية للدول؟ ولماذا ينبغي أن تحرص أجهزة الدولة المختصة على حمايتها؟ ولماذا ينبغي أن تعمل الحكومات على فتحها أمام أفواج المسافرين من أشخاص، وبضائع، وسلع، ووسائل نقل؟ وما هي الآثار السياسية والاقتصادية التي تترتب عليها؟

 الحدّ في اللغة: هو التمييز بين شيئين، خشية اختلاطهما. ويقال حدّد الدار؛ أي جعل لها حدّاً، وحدَّد الأرض أقام لها حدّاً. ويُقال فلان حديد فلان، إذا كانت أرضه إلى جانب أرض الآخر. فالحدّ هو المنع، ومنه سُمّي البواب حدّاداً؛ لمنعه الناس عن الدخول في الدار.

 والحدّ في الاصطلاح: هو خطّ وهمي، يفصل قطعتين من الأرض، أحداهما عن الأُخرى، والحدّ أيضاً هو الحاجز أو الفاصل بين شيئين، لتميز أحدهما عن الآخر، لكلا يختلطا، أو يعتدي أحدهما على الأخر. وعرّف بعض فقهاء القانون الدولي الحدود أنّها: خطوط ترسم على الخرائط، لتبيّن الأرض التي تمارس فيها الدولة سيادتها، والتي تخضع لسلطانها، والتي لها وحدها حقّ الانتفاع بها واستغلالها. ويُعرّف الميناء أو الحدود بأنّها مكان (ميناء بحري أو مطار أو معبر بري) يمكن أن تدخل منه السلع إلى الاقتصاد أو تخرج من الاقتصاد من خلاله.

 وتُعرّف الحدود تقليدياً بأنّها الخطّ الذي يفصل إقليم الدولة عـن أقاليم الدول الأُخرى، والذي تمارس الدولة سيادتها ضمن نطاقه، بما يتضمّنه من أرض وسكّان وموارد، ويمثّل تأمينه حماية لتلك المقدرات، وعادة ما تتعامل الدول مع مسألة أمن الحدود على أنّها قضية أمن قومي، فالحـدود هي خطّ الدفاع الأوّل عن الدولة، على نحو ما تـشير إليـة تعبيرات «الحدود المصونة» أو «الحدود الآمنة» أو «الخطوط الحمراء» التي تتردّد بنبرة حاسمة في التصريحات الرسمية، خلال حـالات الطـوارئ أو فتـرات الأزمات، التي تمس حدود الدولة، فلا تريد أي دولة أن تترك مجالاً للشكّ بشأن قدرتها أو إرادتها، فيما يتعلّق بأمن الحدود.

 نعم، للدول حدود جغرافية، وسياسية، معترف بها، وتحرص أجهزتها، على حماية تلك الحدود؛ باعتبارها رمز السيادة والاستقلال، ومدخل أمن الوطن والمواطنين، إلّا أنّ متطلّبات الانفتاح على العالم، والتواصل مع الجوار، وتبادل المصالح بين الأُمم والشعوب، تقتضي فتح منافذ برية، وبحرية، وجوية، فيما بينها، على وفق قوانين، وأنظمة، وضوابط محدّدة، تهدف إلى توفير أسباب الأمن والسلامة لها، ولما يعبر، من خلالها، من أشخاص، وسلع، وبضائع، ووسائل النقل، وغيرها.

 تمثّل المنافذ الحدودية البرية، والموانئ البحرية، والمطارات، مواقع إستراتيجية وحيوية هامّة، وهي منافذ الدخول والخروج للدولة، وتعتبر الواجهة الحضارية التي من خلالها يرى القادم، هذه الدولة، ويكون انطباعه عنها، وعادة ما يرتبط أمن الدولة مباشرة بهذه المواقع، حيث يتأثر، ويتهدّد أمنها، القومي والاقتصادي والعسكري، بأي انتهاكات أو اختراقات، غير مشروعة لهذه المنافذ، كما وتعتبر هذه المنافذ مصدراً هاماً من مصادر الدخل القومي للدول، تحديداً تلك الدول التي تهتم بصناعة السياحة.

 لا شكّ أنّ المنافذ الحدودية، يمكن أن تحقّق جملة من الأهداف الإستراتيجية، منها: أهداف سياسية؛ تتمثّل في تحسين علاقات الدول على الحدود، وأهداف أمنية؛ تتمثّل في التنسيق الأمني المشترك، وتعزيز الاستقرار والتعاون الأمني على الحدود، ومنع تهريب أي نوع من أنواع البضاعة عبر الحدود الدولية. وأهداف اقتصادية؛ تتمثّل في إقامة مشاريع صناعية وتجارية ـ وتنمية السياحة والتجارة، هما من أكثر أوجه الاستثمار اجتذاباً لرؤوس الأموال الخاصّة والعامّة. وأهداف ثقافية؛ تتمثّل في التبادل الثقافي، والتعرّف على عادات وتقاليد وثقافة الطرف الآخر. وأهداف ترفيهية؛ تتمثّل في استغلال الموارد الطبيعية، وتحسين المظهر الجمالي، بإقامة المناطق الترفيهية، والمناطق المفتوحة، والمنتجعات السياحية، والتي تعتبر متطلّبات أساسية للسكان خاصّة في الدول ذات الازدحام السكّاني.

 ولا شكّ أنّه يمكن تحويل هـذه الحدود إلى مناطق للتعاون والتنمية الإقليمية. ويمكن الإفادة من التجربة الأوروبية في تحويل مسائل الحدود كأُمور معوقة للتعاون إلى فرص اندماجية مثمرة تخدم مـصالح جميع الأطراف بالرهان على تبادل المنافع الاقتصادية لتذويب الخلافـات الـسياسية. وكذلك يمكن البناء على النزاعات والمشكلات التي خلقتها الحدود بـين دول الإقلـيم وتحويلها في اتجاهات مغايرة.

 ويمكن أن نصل إلى حدود، يطلق عليها فـي المصطلح السياسي (الحدود الآمنة والبريئة) ونعني بذلك قيام الملاحة التجارية أو المشروعة غير المرتبطة بعمليات التهريب، ومنع التسلل المعادي المرتبط بالعمليات الإرهابية، ووضـع المفاهيم الأمنية المشتركة التي تضمن سلامة حدود البلاد، وتصونه مـن الاعتداءات، بالإضافة إلى تفعيل الجانب الاقتصادي الذي يمكن أن يثمر في الاستقرار بين الدول، خاصّة إذا كانت هناك حدود آمنة، تكون سبباً في عمليات التبادل التجاري والسياحي بينها.

 ولكن أمن المنافذ الحدودية، وتطويرها وتنميتها، لا يعتمد على الترتيبات الأمنية المشتركة بين البلدين فقط، ولا على السياسات العامّة للدولة، ولا على القوانين والأنظمة المشرعة، بل يعتمد أوّلاً وأخيراً على قدرة أجهزة المنافذ الحدودية على السيطرة والإشراف على هذه المنافذ. وهناك جملة من المعوقات التي تحول دون تحقيق ذلك لعلّ أهمها: تعدّد الجهات العاملة في المنافذ الحدودية، ممّا يؤدِّي إلى الازدواجيـة والتداخل في الصلاحيات والواجبات، وغياب التنسيق بين الجهات العاملة علـى الحـدود لعـدم وجـود المرجعية الواحدة التي من شأنها تسهيل عملية اتّخـاذ القـرارات المناسبة، وتعدّد القوانين والأنظمة والتعليمات التي تنفذها الجهات العاملة فـي المنافذ الحدودية، كلّ حسب اختصاصه، الأمر الذي يودي إلى إعاقة العمل وتأخيره.

 من هذا المنطلق، فإنّه لابدّ من مواكبة التطوّرات العلمية والتقنيات الحديثة التي تمكّننا من تحقيق أفضل المستويات الأمنية لحدود أي دولة، باعتبارها خطّ الدفاع الأوّل عن أمنها، كما أنّها (أي التقنيات الحديثة) تـساعد فـي تقديم خدمة أفضل للمسافرين عبر هذه الحدود، سواء من حيـث تـوفير الوقت أو الجهد أو حتى تقليل الاحتكاك مع العنصر البشري في عمليـات التفتيش وما ينجم عنه من مشاكل فردية.

 وبناءً على ما تقدّم، فإنّ على الدول التي تريد أن تستفيد من عامل الحدود على مستوى الأمن والاقتصاد أن تعمل على حل المشكلات الآتية:

 أوّلاً: مشكلة البُنى التحتية: تعاني البُنى التحتية لبعض المنافذ الحدودية من قدمها وعشوائية توزيعها، وعدم ملاءمتها لتسلسل الإجراءات وحجم العمل، كما أنّ بعـض هـذه المنافذ تشهد حركة مسافرين وشحن كثيفـة لا يمكـن للبُنـى التحتيـة فيها استيعابها، كما أنّ مثل هذه الاختلالات في البُنى التحتية تعيق عمليـة مواكبة التطوّر العلمي في مجال الأمن الحدودي، لذلك فهي بحاجة إلى توسعة وإعادة تنظيم للساحات.

ثانياً: الموارد البشرية: تعاني المنافذ الحدودية في معظم الدول من عدم كفاية المـوارد البشرية المؤهّلة، وقلة كفاءة بعضها، خاصّة في مجال استخدام الحواسيب الآلية، والتقنيات الفنّية الحديثة، كما أنّ هنالك سوء فـي توزيـع الكـوادر، وانعدام المساواة بين العاملين في مختلف الأجهزة، من حيـث الحـوافز والمكافئات والتدريب.

ثالثاً: الأجهزة والمعدات والتقنيات الحديثة: يوجد نقص في الأجهزة والمعدات المـستخدمة فـي فحـص وتفتـيش الأشخاص والأمتعة والمركبات، وإنّ بعض الأجهزة المتـوفرة لا تـؤدِّي الغرض المطلوب بشكل فعّال. كما أنّ بعض هذه المنافذ لا تتوفّر فيها أجهزة فحص المتفجرات وأجهزة فحص المخدرات.

رابعاً: آلية العمـــل: إنّ هنالك مشكلة كبرى تتمثّل بأنّ الجهات المعنية بالعمل الحدودي تختلف من منفذ إلى آخر. كما أنّ صلاحيات هذه الجهات تختلف من منفـذ إلى آخر، ويوجد فيما بينها بعض التداخلات والاختلالات التي تؤثّر سلباً على نوع الخدمة المقدّمة للمسافر وتعقيدها، كما تبيّن بأنّ بعض هذه المنافـذ فيها إجراءات محوسبة آلياً إلّا أنّه لا يوجد فيها قاعدة بيانـات مـشتركة تربط مختلف الأجهزة العاملة في المنفذ الواحد.

خامساً: الرقابة الحديثة: أمّا بالنسبة لأساليب الرقابة الحديثة وأمن المنافذ الحدودية، فـإنّ بعـض المنافذ داخل الدولة الواحدة تستخدم آلية مراقبة دقيقة وفعّالـة، وبعـضها الأخر تستخدم مثل هذه الآلية بشكل روتيني لا يغطي كافة المواقع. كمـا أنّ كلّ جهاز من الأجهزة المعنية في العمل الحـدودي يـستخدم نظـام مستقل عن غيره من الأجهزة الأُخرى للمراقبة الخاصّة، وهذا يؤدِّي إلى تعقيد الأمر وهدر المال. 

ارسال التعليق

Top